تشهد مملكة البحرين منذ أن تولى سيدي حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه مقاليد الحكم في عام 1999 طفرة تنموية وحضارية شملت جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتشريعية.
فالمشروع الاصلاحي الذي دشنه عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه جعل من مملكة البحرين نموذجاً عالمياً في التطوير والنماء والاستقرار النابع من الداخل والمنطلق من حرص قيادته التي تلقت معها الإرادة الشعبية في محطات عدة تاريخية منها اللحظة التاريخية التي شهدتها مملكة البحرين عند التصويت على ميثاق العمل الوطني في عام 2001 بنسبة وصلت إلى 98.4% لينتج عنها التعديل الدستوري الاول في عام 2002 على دستور مملكة البحرين الصادر في عام 1973.
إن النقلة الحضارية التي شهدتها مملكة البحرين (منذ أن تولى سيدي جلالة الملك المفدى حفظه الله ورعاه مقاليد الحكم) واكبتها حزمة من الأدوات التشريعية، فالأدوات التشريعية هي أرست الأساس لتلك الإصلاحات في نصوص قانونية سواءً في ميثاق العمل الوطني أو في التعديل الدستوري الأول في عام 2002، وما تلا ذلك من تشريعات متتابعة لتواكب الدولة العصرية الحديثة التي بُنيت على مرتكزات أساسية كالعدالة وسيادة القانون ودولة القانون والمؤسسات، فالقانون هو دائماً مرآة لتطور أي مجتمع وتقدمه.
هيئة التشريع والرأي القانوني من خلال انطلاقتها الأولى في عام 1970 ممثلة في اللجنة القانونية لمجلس الدولة (مجلس الوزراء حالياً)، كانت حاضرة وشاهدة على التطور الذي شهدته مملكة البحرين حيث أناط القرار الذي صدر عن رئيس مجلس الوزراء الموقر (آنذاك) صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة (رحمه الله) بالهيئة (اللجنة القانونية آنذاك) ثلاثة اختصاصات رئيسية تمثلت في إعداد وصياغة مشروعات القوانين والأنظمة التي يقترحها مجلس الدولة (مجلس الوزراء حالياً)، وإبداء الرأي القانوني وإعطاء المشورة في القضايا التي يعرضها عليها مجلس الدولة أو التي تحيلها إليها الدوائر الحكومية، وإبداء الرأي أيضاً في العقود التي تبرمها الحكومة مع الشركات والأفراد وذلك للتأكد من انسجامها ومطابقتها للقوانين والمراسيم.
وتتابعت الأدوات القانونية بعد ذلك المنظمة لعجلة العمل في هيئة التشريع والرأي القانوني فصدر في عام 1972 قانون إنشاء وتنظيم دائرة الشئون القانونية (وهو المسمى الثاني للهيئة بعد اللجنة القانونية)، ومن ثم توالت التعديلات على قانون الهيئة ليصل مجموعها إلى أربعة قوانين معدلة كان آخرها التعديل الذي صدر في عام 2018.
ومن الملاحظ أن الاختصاصات الثلاثة الرئيسية للهيئة ظلت لصيقة بها، حيث حرص المشرع في كل مرة على زيادتها إيماناً منه بالدور الحيوي والهام لهيئة التشريع والرأي القانوني، وكان ذلك ترجمةً للحرص والاهتمام الذي شهدته السلطة القضائية عامة من تطور وازدهار في عهد سيدي حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه.
هذا الحرص والاهتمام بهيئة التشريع والرأي القانوني تأكد ابتداءً من دستور مملكة البحرين المعدل في عام 2002 حيث جاء ضمن الفصل الرابع الخاص بالسلطة القضائية وتحديداً في البند (ج) من المادة (104) على أن: (يضع القانون الأحكام الخاصة بالنيابة العامة، وبمهام الإفتاء القانوني، وإعداد التشريعات، وتمثيل الدولة أمام القضاء، وبالعاملين في هذه الشئون)، ولاشك أن هذا النص الدستوري أكد على الاستقلالية التي تحظى بها الهيئة والعاملين فيها، بالإضافة إلى أن القوانين اللاحقة والمنظمة لعمل الهيئة بعد الدستور المعدل في عام 2002 حرصت لتعزز استقلال الهيئة تباعاً وصولاً للاستقلال التام للهيئة بحكم طبيعتها القضائية مترجمةً لما جاء به المشرع الدستوري ونزولاً إلى ما جاء به من تنظيم.
إن المكانة التي وصلت إليها الهيئة اليوم كنموذج للجهات المعنية المماثلة في اختصاصاتها للهيئة على الصعيد العربي لم يكن لها أن تصل لهذه المكانة بدون الرعاية الملكية السامية، وكذلك بفضل الرؤساء الذين تعاقبوا على رئاستها والمستشارين الأفاضل الذين عملوا فيها والذين كان لكل منهم الدور الأكبر، وعلى الأخص دور سعادة المستشار عبدالله بن حسن البوعينين والذي ترأس فريق العمل في الهيئة من عام 2006 ولغاية شهر يوليو من عام 2017.
نحن في هيئة التشريع والرأي القانوني نركز على مواصلة بناء الأجيال البحرينية التي تزخر بها الهيئة اليوم وذلك تنفيذاً لتوجيهات سيدي حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى حفظه الله ورعاه حيث كانت كلماته الحكيمة وتوجيهاته الأولى حينما حظينا بشرف لقائه بعد تعيّننا لرئاسة هيئة التشريع والرأي القانوني هي الاهتمام بالشباب البحريني وتطويره وهو ما نسعى جاهدين لتحقيقه من خلال التدريب المستمر، وذلك إيماناً منا بكفاءاتهم وطاقاتهم ورغبة منا في إفساح المجال للكفاءات البحرينية في تولي المزيد من المناصب القيادية بما في ذلك دعم المرأة البحرينية التي أثبتت بدون شك أنها دائما تأتي في صدارة هذه الكفاءات البحرينية بعملها واجتهادها ومثابرتها في ميادين العمل.